السلام عليكم
و اخيرا آخر جزء للقصيدة
ليس في الغابات عذلٌ
لا و لا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ
اذ ترى وجه المغيبْ
لا يقولُ النسرُ واهاً
إن ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى
عندنا الأمر الغريبْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا خيرُ الجنون
و أنين الناي ابقى
من حصيفٍ و رصينْ
* * *
و قل نسينا فخارَ الفاتحينَ و ما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
و في حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
و في انكساراتِ هذا الفوزُ و الظفرُ
و الحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمرِ للوحي لا للسكرِ ينعصرُ
* * *
ليس في الغابات ذِكْرٌ
غير ذكر العاشقينْ
فالأُلى سادوا ومادوا
و طغوا في العالمين
أصبحوا مثل حروفٍ
في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى
عندنا الفتح المبينْ
* * *
أعطني الناي و غنّ
و انس ظلم الأقوياء
إنما...الزنبق كأسٌ
للندى لا للدماء
* * *
و ما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي و يعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً و هو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
* * *
ليس في الغاب رجاءٌ
لا و لا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا
وعلى الكل اشتملْ
* * *
وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها و لا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ
كأنما هي...أثمار إذا نضجتْ
و مرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
و ذا يقول هي الأجسام ان هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ و لا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى و لا هي في الارواح تحتضرُ
فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ
إلا ومرَّ بها الشرقي فتنتشرُ
* * *
لم أجدْ في الغاب فرقاً
بين نفس و جسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى
و الندى ماءٌ ركدْ
و الشذا زهرٌ تمادى
.و الثرى زهرٌ .جمدْ
و ظلالُ الحورِ حورٌ
ظنَّ ليلاً فرقدْ
* * *
أعطني النايَ و غنِّ
فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي ابقى
من غبوق وصبوحْ
* * *
و الجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى و ينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ و لا عسرُ
لكن في الناس أشباحاً يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل و لم يحبل بها المدرُ
و كم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ
و كم علا الأفقَ غيمٌ ما به مطرُ
* * *
ليس في الغاب عقيمٌ
لا و لا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً
حفظت سر النخيلْ
و بقرص الشهد رمزٌ
عن فقير و حقولْ
انما العاقرُ لفظ
صيغ من معنى الخمولْ
* * *
أعطني الناي و غنِّ
فالغنا جسمٌ يسيلْ
و أنينُ الناي أبقى
. من مسوخ و نغولْ
* * *
و الموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
و للأثيريّ فهو البدءُ و الظفرُ
فمن يعانق في أحلامهِ سحراً
يبقى و من نامَ كل الليل يندثرُ
و من يلازمْ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , و أخو الاثقال ينحدرُ
* * *
ليس في الغابات موتٌ
لا و لا فيها القبورْ
فاذا نيسان ولىَّ
لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولَ الموت وهمٌ
ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعاً
كالذي عاش الدهورْ
* * *
أعطني الناي وغنِّ
فالغنا سرُّ الخلود
و أنين الناي يبقى
.بعد أن يفنى الوجود
* * *
أعطني الناي وغنِّ
وانسَ ما قلتُ و قلتَ
انما النطقُ هباءٌ
فأفدني ما فعلتَ
هل تخذتَ الغاب مثلي
منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي
و تسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ
و تنشفت .بنورْ
و شربت الفجر خمراً
في كؤُوس من أثيرْ
هل جلست العصر مثلي
.بين جفنات العنبْ
و العناقيد تدلتْ
كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ
و لمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ و هي عطرٌ
و لمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً
و تلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي
ناسياً ما قد مضى
و سكوت الليل بحرٌ
موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ
خافقٌ في مضجعكْ
ا
أعطني الناي و غنِّ
و انسَ داًْ و دواء
إنما...الناس سطورٌ
كتبت...لكن بماء
ليت شعري أي نفعٍ
في اجتماع وزحامْ
و جدالٍ و ضجيجٍ
واحتجاجٍ وخصامْ
كلها أنفاق خُلدٍ
و خيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ
فهو في بطءٍ يموتْ
* * *
العيشُ في الغاب و الأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثرٌ
لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
و للتقادير سبلٌ لا تغيرها
و الناس في عجزهم عن قصدهم قصروا
اتمنى انكم حبيتوها و اعجبتكم
مع تحياتي^^